جاء في قوله تعالى: «إِذْ رَأَىْ نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنَها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدَىً»
وقد ورد هذا الفعل في خمس آيات أخرى موزّعة في سُوَر القرآن الكريم.
وفي معجمات العربية أنّ: آنَس الشيءَ أبصره، والصوتَ سمعه، واستأنس: إستأذن.
تقول الأستاذة بنت الشاطئ:
نستقري الاستعمال القرآني، فيعطينا حِسَّ العربية المُرهَف، لا تقول «آنسُ€» في الشيء تبصره أو تسمعه دون أن تجد فيه أُنساً. فإذا قال العربيّ الأصيل: آنستُ، فقد رأى أو سمع ما يؤنسه.
وليس الإِيناس في الآيات الخمس مجرد إبصار لظواهر الرشد المادية الحسيّة في سن البلوغ، ولكنه الطمأنينة المؤنسة بالابتلاء والامتحان، إلى أنهم قد رشدوا حقاً.
وكذلك «الاستئناس» في قوله تعالى:
«يا أَيُّها الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا»
وليس الاستئناس مجرد استئذان كما وَهِمَ الذين فسّروه بذلك، وإنما هو حِسّ الإيناس لأهل البيت قبل دخوله.
وهذا الذي اهتدت إليه بنت الشاطئ من بديع لغة القرآن في فراغ الخصوصية المعنوية. وأريد أن أضيف أن «الأُنس» مصدر معروف، ومنه جاء الفعل «آنس» كما أشرنا وأشارت الباحثة الفاضلة.
غير أن أصل «الأُنس» في العربية وفي غيرها من اللغات التي تتصل بها بأرومة النسب، هو «الإِنْس» أو «الإِنسان» أي الرجل أو المخلوق الذي يتصل بغيره من الأناسيّ. ومن «الإِنس» أو «الإِنسان» جاء المصدر، وهو اسم معنى، ثمّ توزع في هذه الخصوصيات الدلالية. ومثل هذا أو شيء منه حصل في تلك اللغات التي أشرنا إليها.